Skip to content

Why

نحو بناء شبكة نضالية عالمية

مدخل

في ظلّ الظروف الراهنة، يبدو التفكير في مسألة العيش التشاركي بين البشر، سواء من الناحية العقلانية أو العاطفية، مجرد هلوسة سياسية. غزة، مليونان ومئتا ألف إنسان، على مساحة 360 كيلومتراً مربعاً، وما يحدث بها اليوم يفضح بشكل صادم ما يمكن للبشر فعله، والذين لا يزالون قادرين على فعله في نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين.
غزة اليوم هي مثال على الحالة المقلقة للحضارة الإنسانية بامتياز. وهي حالة -إذ يسيطر فيها الغضب والعجز والإحباط والتوهان- تجعل أيّ نضال من أجل العيش التشاركي بين البشر، في ظلّ التنوّع الفكري والاجتماعي والثقافي والسياسي والإثني، يبدو ميؤوساً منه، سواء أكان ذلك محلياً أم عالمياً.

ومع ذلك؛

هناك فئات شبابية من جميع الانتماءات، متحدة في تنوّعها الاجتماعي – السياسي، ومن مختلف أنحاء العالم، تقاوم بلا كلل قمع الحكومات، والمطاردات البوليسية للفكر. وعلى وجه الخصوص، الشباب المنحدرون من أصول يهودية وفلسطينية وعربية أخرى، الذين يواجهون ويكسرون المعايير المزدوجة في الأخلاق والقيم من قبل النخب السياسية المهيمنة، ويُصرّون على أنّ مبادئ العدالة لا تتجزأ، وغير قابلة للتقسيم.
إنّهم يستخلصون العبر من التاريخ الممتد على مدار 127 عامًا من الصراع مع الصهيونية، والتناقضات ودوامة العنف المستمرة، ولكنّهم اليوم يتطلعون إلى مستقبل مشترك.
يُظهر هذا الجزء الكبير من جيل القرن الحادي والعشرين بأنّ العيش التشاركي ليس مفهوماً طوباويًا، أو مجرد وهم من صنع الخيال، بل هو ممكن في الواقع- قد لا يكون في الغد القريب، وإنّما في مستقبلٍ يشكلونه اليوم من خلال نضالاتهم السياسية المشتركة.

إلى هذه الفئات الواعية والفاعلة سياسياً، من جيل القرن الحادي والعشرين، نقدم هذه الأسس الفكرية، تحقيقًا للأهداف الآتية؛

  • من أجل تشكيل هياكل وبنى عالمية لمقاومة مشتركة، يشكلها المنحدرون من أصول فلسطينية ويهودية، وبرؤية “وطن واحد للجميع-حياة تشاركية”. هذه البنى المشتركة هي شرط أساسيّ لإحداث تغييرات جوهرية على المستوى المحلي، وهي القاطرة والمحفّز للنضال من أجل بناء مجتمع تشاركي ولجميع السكان على مساحة 27،000 كيلومتر مربع.
  • إنشاء شبكة عالمية، تتبنى الرؤية وتناضل لتحقيقها. هذا الالتزام السياسي، النظري والعملي، ليس نابعاً من كونه فعلاً تضامنياً إنسانياً فحسب، بل أيضاً وفي المقام الأول، هو ضرورة سياسية محلية وعالمية.

الصراع هو عالميّ. إذاً: نحو عولمة العمل لإنهائه؛

  • لأنّ أصل الصراع المستمر منذ 127 عامًا، لا يعود إلى نزاعات عرقية أو دينية محلية، ولم ينشأ عن نزاعات حدودية إقليمية بين الدول؛ وإنّما فُرض هذا الصراع من الخارج. لقد تأسس المؤتمر الصهيوني العالمي عام 1897 في بازل، بهدف: “إنشاء وطن آمن لليهود من جميع أنحاء العالم، في فلسطين”، دون حتى أن يُسأل أتباع الديانة اليهودية العرب (حوالي %4) من السكان الذين يعيشون هناك، ناهيك عن السكان المسلمين والمسيحيين والعلمانيين وغيرهم.
  • لأنّ كلاً من الهدف وسبب تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية (WZO) في عام 1897، يعودان إلى التمييز الاجتماعي والسياسي الداخلي الذي مورس من قِبل الحكومات والنخب المهيمنة في الدول الأوروبية آنذاك، ضد مواطنيها من أتباع الديانة اليهودية.
    فمن دون التهميش المُمنهج والتهجير والإبادة المنظمة لأبناء جلدتهم من اليهود الأوروبيين، من قِبل النُخب المهيمنة على السلطة، بما فيها الفاشية الأوروبية، ما كان لهذا المشروع الصهيوني أن يظهر إلى حيز الوجود، وما كان له أن يبقى قابلاً للحياة.
  • لأنّ النخبة المهيمنة عالمياً، ومن خلال الأمم المتحدة، قامت عام 1947 بتقسيم الأرض والبشر بشكل تعسفي، دون استفتاء السكان الذين يعيشون هناك (حوالي %30 من اليهود و%70 من غير اليهود). وهكذا تمت الشرعنة لأسس وسياسات التدمير المستمر لشروط الحياة، والتهجير والتطهير العرقي على المستوى العالمي. ومنذ ذلك الحين، أصبحت منطقة بأكملها (غرب آسيا) في حالة حرب دائمة.
  • لأنّ حكومات النصف الغربي من الكرة الأرضية، وفي مقدمتها حكومتا الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، ترفع من مستوى الدفاع عن هياكل الدولة الصهيونية بشكل صارخ، إلى مرتبة الأولويات السيادية العليا لتلك الدول. أي أنّ هذه الحكومات تصنف هذه المسألة على أنّها مسألة دفاع عن وجودها هي. وهذا حتماً يجعل الموقف من الحرب الصهيونية، وتبنّي الأهداف الصهيونية مسألتي أمن ووجود لهذه الدول نفسها، وبالتالي فإنّ جميع مواطني هذه الدول معنيون بشكل مباشر بهذا الصراع.
  • لأنّ الحركة الاستيطانية مكونة في معظمها من أشخاص يحملون جنسيات مزدوجة، فإنّ العديد من الدول حول العالم، مثل: روسيا ودول من آسيا وأمريكا اللاتينية، منخرطة في الصراع من حيث السياسة الداخلية والخارجية. وتحت ذريعة حماية مواطنيها، تجعل حكومات وأحزاب هذه الدول من موقفها تجاه الدولة الصهيونية، قضية سياسية داخلية مركزية. وبناءً على ذلك، يتعيّن على الأحزاب والمجموعات الاجتماعية من جميع الأطياف في هذه الدول، أن تتخذ موقفًا حيويًا من الصراع.
  • لأنّ الولايات المتحدة الأمريكية مركز الهيمنة العالمية، تفرض العقوبات على الحكومات والدول ومؤسسات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، وعلى الأفراد والمجموعات الاجتماعية والمؤسسات التعليمية في جميع أنحاء العالم، إذا ما تجرّأوا حتى على انتقاد أو مناهضة الحروب الصهيونية.
  • لأنّ الصورة السياسية والإعلامية والقانونية للبشرية؛ “اليهود مقابل غير اليهود”، التي تمليها وتروّجها الحركة الصهيونية العالمية، تشكّل تهديدًا عالميًا حقيقيًا للعيش السلمي بين البشر، في ظل التنوّع. ويعزّز هذا الوضع العنصري الخاص الممنوح لليهود، الأحكام المسبقة والصور النمطية الخطيرة، وبالتالي لا يخدم سوى إدارة الحرب الصهيونية.
    لقد حان الوقت، وفي نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، لوضع حدّ لهذه البقايا اللاإنسانية، من مخلفات القرون الماضية. ويمكن على وجه الخصوص، لجيل الشباب المنحدر من أصول يهودية-وهو قادر على ذلك- أن يضع حدّاً لهذه النظرة البالية للإنسانية.
  • لأنّ الصورة النقيضة والمعكوسة للبشرية؛ “المسلمون مقابل غير المسلمين”، كذلك يتم نشرها وترويجها كونيّاً، وبفعالية من قبل المنظمات النشطة عالميًا، كجماعة الإخوان المسلمين وتفرعاتها. إنّ هذا التقسيم الديني للبشرية، يشكّل أيضاً تهديدًا عالميًا حقيقيًا للعيش المشترك في ظل التنوّع. كما أنّ هذه النظرة العنصرية للبشرية تخفي الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للاضطهاد والحروب، وتؤجّج التعصب، وترسّخ الصور النمطية، ولا تخدم بدورها سوى مصالح النخب الحاكمة وسلطتها. بوسع قطاعات كبيرة من جيل الشباب المنحدر من أصول مسلمة، أن تضع حدّاً لهذه النظرة، شديدة الخطورة على البشرية، وذلك من خلال تبنيها لرؤية العيش التشاركي كأولوية حياة.
  • لأنّ خلق أمّة من ديانة عالمية يشكّل دائمًا تهديدًا للتماسك والعيش السلمي في أيّ مجتمع. ففي القرن العشرين، نجحت المنظمة الصهيونية العالمية -سياسياً وأيديولوجياً- في استخدام الديانة اليهودية لصناعة أمّة يهودية، وكذلك بالمساواة بين الصهيونية والديانة اليهودية. وبالمثل، نجحت جماعة الإخوان المسلمين في استخدام الدين الإسلامي لصناعة أمّة إسلامية، وزرعها في أذهان الملايين من المسلمين حول العالم. وعلاوة على ذلك، نجحت الجماعة أيضاً في تحويل القضايا الاجتماعية والسياسية إلى مسائل دينية-إيمانية، وبالتالي وأد أيّ تطوّر اجتماعي في مهده، فلا التفكير النقدي المستقل ولا العلم، يحظيان بفرصة في المجتمعات التي تقع ضمن دائرة نفوذهم.
    ويبدو أنّ هذه الأفكار لكلا الحركتين لا تزال حيّة وقابلة للتطبيق في الوقت الحاضر، حيث يشكل الصراع الدائر الأرضية الخصبة لهذه الأفكار. وعليه فأنّ تحقيق رؤية العيش التشاركي سيسحب البساط من تحت أقدام كلا الحركتين.
  • لأنّ الحروب الجارية في هذه المنطقة كانت دائمًا قائمة أيضاً على المصالح الجيوسياسية، التي تخدم في المقام الأول توسّع نطاق هيمنة النخب الحاكمة وترسيخ سلطتها، فهي بالتالي جزء من التقليد الاستعماري الأوروبي الغربي الطويل.
  • لأنّ تطبيق نموذج تشاركي من أجل الناس، ومن قِبل الناس في هذه المنطقة، التي تبلغ مساحتها 27،000 كيلومتر مربع، يعني خلق نموذج عالميّ، يشكّل قدوة يحتذى بها في بناء العلاقات الإنسانية والاجتماعية.
  • لأنّ فئات عريضة من جيل القرن الحادي والعشرين، من أصول فلسطينية وعربية أخرى ويهودية، تعيش فعليًّا مبدأ العيش المشترك في ظلّ التنوّع، وبالذات في أوروبا وأمريكا، فهي إذاً أكثر استعداداً وقادرة على إنشاء أطر مشتركة. هذه البنى المشتركة ستمنح الأمل للناس الذين يعيشون في منطقة الحرب، وفوق كلّ شيء ستشكل سنداً فعّالًا للغاية للحركات المشتركة الناشئة هناك.
  • ولأنّه في نهاية المطاف جميع المجتمعات في العالم، ولأسباب تاريخية ومعاصرة، هي جزء فاعل في الصراع، فإنّه لا يمكن لأحد أن يتهرّب من مسؤوليته تجاه العدوانيّة الصهيونية؛ ولذلك فإنّ الالتزام السياسي الفعّال والنضال من أجل مستقبل تشاركي، هو ليس فقط عملاً تضامنياً إنسانياً، بل هو ضرورة سياسية محلية- داخلية وعالمية.
    لذلك، فعندما يتبنّى شباب من جيل القرن الحادي والعشرين في جميع أنحاء العالم، رؤية؛ وطن واحد للجميع – حياة تشاركية، لجميع السكان على مساحة 27،000 كيلومتر مربع، فإنّهم في الوقت نفسه يغيّرون الشروط اللازمة للعيش التشاركي داخل مجتمعاتهم.

من النهر إلى البحر، لن نرى أيّة حرب؛

  • لأنّ الدعوة إلى وقف إطلاق النار وحدها، لا تعني سوى استمرار الحرب بوسائل أخرى، وبفاعلين آخرين، وانتقالها إلى أماكن أخرى في المنطقة. إنّ التوسيع الممنهج لحالة الحرب لتشمل المنطقة بأكملها، لا يخدم سوى النخب المسيطرة على المنطقة، ويعزّز عملية التهجير المستمرة. لقد أصبح القتل والهروب والتهجير من الثوابت، بينما تتبدل النخب المهيمنة، فقط.
  • لأنّ وضع نهاية دائمة لحالة الحرب في المنطقة بأسرها لا يمكن أن يتحقق إلّا من خلال سلوك مسارات تشاركية. وفي هذا السياق، لا غنى عن تبنّي رؤية؛ “وطن واحد للجميع-حياة تشاركية”، ولا مفرّ من المقاومة المشتركة للجماهير بكلّ مكوناتها، وعلى كامل الأرض، من أجل القضاء على هياكل الدولة الصهيونية، وتفكيك السلطات الوهمية والتابعة، كسلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية.
  • لأنّ إنشاء بنى اجتماعية مشتركة هو السبيل الوحيد لوضع حدّ للقتل المتبادل، وضمان العيش المُشترك السلمي في المستقبل، في المنطقة وخارجها.

للحياة ننادي، وطن واحد للجميع؛

  • لأنّ الحياة نفسها يجب أن تكون محور كلّ فكر واعتبار.
  • لأنّ حقائق الواقع الديموغرافي والمكاني والاجتماعي للسكان المقيمين على كامل مساحة 27،000 كيلومتر مربع، لا تسمح بحلول قومية-مناطقية.
    • لأنّ ترسيم الحدود المناطقية وتشكيل الجيوب العرقية والدينية، أو قيام دول على أسس دينية سيولّد حتماً العداء والقتل المتبادلين. كما أنّ لهذا النموذج عواقب وخيمة في سائر أنحاء المنطقة أيضاً.
      • لأنّ التركيز على مناطق محددة، عرقياً أو دينياً أو قومياً، يشكّل دوماً عامل تفتيت للبشر، ويخلق أرضاً خصبة جديدة لعقليات: “ال نحن مقابل الـ هُم”.
        • لأنّ الشوفينية، مثل التعصب الديني والطائفي والعرقي والقومي، تحوّل البشر باستمرار إلى وقود للمدافع، لأهداف النخب الحاكمة في المنطقة. فالإصرار المستمر على الحلول المتعلقة بالأرض، يعني ديمومة لحالة الحرب والتهجير.
          • لأنّ الرؤية الصهيونية لخلق وطن يهوديّ نقيّ ومتجانس، وكذلك استراتيجيتها المتمثلة بالغزو العسكري والقتل والتهجير والاستيلاء على الأراضي، مصيرهما الفشل على المدى البعيد. صحيح أنّ المشروع الصهيوني يعيش -حاليًا- نشوة انتصاره الاستراتيجي في المنطقة بأسرها، إلّا أنّ التاريخ يثبت أنّ الاحتلال والإبادة والتهجير، لا يؤدي إلّا إلى توسيع نطاق العنف والحرب. فحتى بعد مرور أكثر من 127 عامًا من العنف والحرب والتهجير، لا تزال مقولة الوطن النقي والآمن لليهود، محض وهم وسراب؛ لأنّ حوالي (%50) من غير اليهود لا يزالون يعيشون في ذات المكان. والنتيجة من هذا الواقع هي: أنّ الوطن الآمن للسكان اليهود لا يمكن أن يتحقق إلّا في وطن آمن لجميع السكان الذين يعيشون فيه أيضاً.
            • لأنّ النضال ضدّ إبادة وتهجير الذات، تعني أيضاً مقاومة تهجير وإبادة الآخرين. لذلك لا يمكن لجيل القرن الحادي والعشرين في منطقة غرب آسيا، من الفلسطينيين وغيرهم، إلّا أن يسأل نفسه السؤال التالي: لو كانت الآلة الحربية للولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي في خدمتكم، كيف ستتصرفون تجاه (7) ملايين من الناس اليهود (%50 منهم من أصول عربية)، على مساحة 27،000 كيلومتر مربع؟
              • لأنّ إيجاد مخارج مبتكرة لقضايا مهمة، مثل حقّ العودة، يمكن ويجب أن تكون أيضاً جزءاً من التصوّر التشاركي الشامل.

من النهر إلى البحر، المواطنون جميعهم يجب أن يكونوا أحراراً؛

  • لأنّ جميع الحريات الشخصية والاجتماعية يجب أن تشمل حريات الآخرين أيضاً. ولأنّ الفهم الأساسي للديمقراطية ومبادئ العدالة لا تتجزأ، فإنّ بنية الدولة الصهيونية والقيم السياسية-الأيديولوجية للمنظمة الصهيونية العالمية، تتناقض بشكل صارخ مع ذلك.
  • لأنّ نضال المرء من أجل حريته يعني أيضاً وفي الوقت نفسه الدفاع وبحزم عن حرية الآخرين، ومساواتهم، وحقهم في الحياة. ولأنّ نضال المضطهدين والمظلومين ومقاومتهم من أجل حقهم في الحياة، يهدف حصرياً إلى إلغاء البنى القائم عليها الاضطهاد. وعلى العكس من ذلك، فإنّ التمييز الديني أو العرقي ضد الآخرين لا يقود إلّا إلى استمرار هذا الاضطهاد. وفي هذا السياق أيضاً علينا فهم التقسيم الديني للبشرية.

للحياة ننادي، العيش معاً هو الهدف؛

  • لأنّ الإنتاج والإمداد وتأمين مستلزمات الحياة اليومية للسكان على كامل مساحة 27،000 كيلومتر مربع، مرتبط ومتشابك مع بعضه البعض، وعلى الرغم من التمييز الحاصل، فإنّ السكان غير اليهود (حوالي 50 %) يشكلون جزءاً لا يتجزأ من عمليات تسيير الحياة، وفي العديد من المجالات الحيوية (كالاقتصاد، التعليم، الصحة، الخدمات).
  • لأنّ المشروع الصهيوني يشكّل تهديداً وجودياً متزايداً لليهود أنفسهم. صحيح أنّ بنية الدولة اليهودية – الصهيونية وعنفها العسكري لا يزال موجه في المقام الأول ضدّ السكان غير اليهود. ومع ذلك، فإنّ هذا العنف البنيوي موجه أيضاً وبشكل متزايد ضدّ اليهودي غير الصهيوني، ضدّ أفراد وجماعات على حدّ سواء، ويتجلى هذا النهج بقوة ووضوح ليس فقط داخل الدولة بل أيضاً في جميع أنحاء العالم.
    لذلك يجب على القطاعات الواسعة من جيل القرن الحادي والعشرين، المنحدرة من أصول يهودية وتعيش نمط حياة عابراً للجغرافيا والانتماءات، أن تطرح على نفسها بوضوح السؤال التالي: هل بمقدورهم الاستمرار في السماح للصهيونية (العنصرية فكراً وممارسة) بالإبادة والتهجير باسمهم؟ إنّ الإجابة على هذا السؤال ستُظهر ما إذا كان هدف تحقيق الحياة التشاركية ضرباً من الخيال، أم أنّه ممكنٌ بالفعل.
    • لأنّ شرائح واسعة من الجيل الفلسطيني في القرن الحادي والعشرين، تدرك بشكل متزايد في حياتها اليومية، أنّ قادة الحركات والأحزاب السياسية، وبصرف النظر عن أيديولوجياتهم، سواء أكانت دينية أم برجوازية قومية، لا يسعون سوى لتحقيق مصالحهم الذاتية. وما الصراعات على السلطة فيما بينهم والصدامات العنيفة المتكررة والتي تقود الى تفتيت المجتمع، إلّا تعبيراً صارخاً عن ذلك. وفي هذا السياق وعلى وجه الخصوص، فإنّ للتصوّر الديني القائل بأنّ “الإسلام هو الحل”، أو وضع المتدينين المسلمين في مواجهة جميع بني البشر، عواقب وخيمة على التنوّع الاجتماعي. إنّ استمرار الصراع واليأس وفقدان الأمل لدى الناس، يشكّل أرضًا خصبة لمثل هذه الأيديولوجيات؛ ونتيجة لهذا الوضع الميؤوس منه وانعدام الأفق بالتحديد، فإنّ رؤية: وطن واحد للجميع-حياة تشاركية، لا بديل عنها.
      • لأنّ العيش المشترك في ظلّ التنوّع الاجتماعي، في القرن الحادي والعشرين، يتناقض مع تشكيل جيوب أو غيتوهات عرقية أو قومية أو دينية.
        • لأنّ عملية إنتاج الأسس المادية والثقافية لحياتنا في هذا العصر هي ذات طابع كوني. لهذا فإنّ جميع أشكال الحدود، الإقليمية والدينية والقومية وغيرها، في الواقع قد عفا عليها الزمن، وصارت من مخلفات الأزمنة الغابرة.
          • لأنّه يجب أن يُنظر اليوم إلى الكرة الأرضية على أنّها مكان عيش مشترك لجميع الناس.
            • لأنّه في عصر الهيمنة الرقمية العالمية للولايات المتحدة الأمريكية، وإدارتها للحروب ديجتالياً في مختلف بقاع الأرض وتوظيفها في خدمة المشروع الصهيوني، يجب إعادة التفكير في جميع أشكال المقاومة ضدّ الاضطهاد، بكل أنواعه. وفي ظلّ هذه المتغيرات الجذرية في تمركز علاقات الهيمنة العالمية، وفي ظلّ الهيمنة الديجيتالية الكونية، سيكون للحركات الجماهيرية وللرؤى التي يكافح من أجلها البشر، الدور المفصلي.
              • لأنّ الفعل النضالي المقاوم في القرن الحادي والعشرين ذو طابع جماهيري عالمي، وله مواضيعه وقضاياه. كما أنّ صلاحيته وتأثيره عابران للحدود، وعلى سبيل المثال: حركات مناهضة العنصرية والتمييز على أسس جندرية، والإقصاء والاضطهاد، حماية البيئة، مكافحة الاستغلال، التصدي للرقابة الرقمية، محاربة سياسة التجويع من خلال فرض العقوبات، مجابهة العنف والحروب. هذه المبادئ الكونية للعدالة، العابرة للحدود، ستشكل، آجلاً أم عاجلاً، وحدة قياس لمواقف جميع الأيدولوجيات. وسيتعين على جميع الجهات السياسية الفاعلة، كالأحزاب، والمنظمات غير الحكومية، والمجموعات الاجتماعية، وحتى الحكومات، توجيه نفسها وقياس مواقفها على أساس تلك المبادئ.
                • لأنّ النموذج الاجتماعي التشاركي، وبشكل عام، هو النقيض لمبدأ العيش على حساب الآخر، ويتناقض كذلك مع جميع أشكال التسلسل الهرمي (الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي، القانوني، العرقي، الديني) في العلاقات الإنسانية والاجتماعية، فإنّ العيش التشاركي مع الآخر، هو وحده الكفيل بضمان بقاء البشرية، خاصة في منطقة غرب آسيا.

معاً – متحدون – لا للإبادة؛

  • لأنّ القضاء على أو إلغاء البُنى وهياكل الدولة الصهيونية، لن يكون ممكناً إلّا من خلال تشكيل حركة كفاحية شعبية مشتركة، تشمل جميع السكان، بمكوناتهم المختلفة والمتنوّعة، وعلى كامل مساحة 27،000 كيلومتر مربع. وهذا يعني في الوقت نفسه أنّ أيّ عمل مسلح يجب ألّا يحل محل أو يقوّض قوة وفاعلية الحركات الجماهيرية المشتركة.
  • لأنّ رؤية؛ وطن واحد للجميع-حياة تشاركية، تفتح أفقاً مستقبلياً للسكان على كامل هذه المساحة البالغة 27 ألف كيلومتر مربع، وأيضًا في المنطقة بأسرها، وتوحّد الناس عالمياً في المقاومة، أيّاً كانت انتماءاتهم الخاصة.

ترى قطاعات كبيرة من جيل القرن الحادي والعشرين بأنّ العيش التشاركي ليس مفهوماً طوباويًا، أو مجرد وهم من صنع الخيال، بل هو ممكن في الواقع، قد لا يكون في الغد القريب، وإنّما في مستقبلٍ يشكلونه من خلال نضالاتهم السياسية المشتركة.

نحو بناء شبكة نضالية عالمية

يكون محورها المقاومة الفلسطينية-اليهودية المشتركة

وطن واحد للجميع – حياة تشاركية